سمات شخصية طالب الحلقة القرآنية
 
 
سمات شخصية طالب الحلقة القرآنية

إن علم مكارم الأخلاق والشمائل وتقويم النفوس بمحاسن الآداب والفضائل، من العلوم المهمة التي هي أساس نجاح الأمة, فإن على الأخلاق الفاضلة مدار المدنية والعمران, وترقي الإنسان وصلاح البلدان ونمو مدارك العلم والعرفان, كما أن بالأخلاق السيئة, الهلاك والدمار والخزي والعار, إذ هي السموم القاتلة والمهلكات العاجلة والمخازي الفاضحة والرذائل الواضحة, وقد أرشدت إلى الأخلاق الفاضلة الشرائع الإلهية وبُعث نبينا صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق.

لذا كان لابد لطالب العلم من سمات يعرف بها, وأخلاق يتحلى بها وآداب لا تنفك عنه, وفي السطور التالية نستعرض تلك السمات:

1- ألا تكو ن الدنيا ومطالبها أكبر همه وكل شغله:
يجب على طالب العلم أن يتخفف من علائق الدنيا وذلك لأنه جنَّد نفسه وعقله لطلب علم القرآن وما دام كذلك وجب عليه أن يكرِّس جهده ويجمع همته على التحقيق والإجادة حتى يحصل له حفظه بل ويتعدى مرحلة الحفظ إلى العمل به كما علَّمنا ذلك الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: ( كنا نحفظ العشر الآيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن )، وروي عنه أنه حفظ سورة البقرة في تسع سنين وذلك ليس بسبب الانشغال عن الحفظ أو رداءة الفهم ولكن بسبب التدقيق والتطبيق. وقد سأل الإمام الشافعي شيخه وكيعاً. بم حصلت على العلم؟ فقال: ( بطول السهر وافتراش المدر والاستناد على الحجر ).

 

2- التواضع وعدم التكبر:
قال تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، أي بسكينة ووقار متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين والعلم لا يُنال إلا بالتواضع وإلقاء السمع. وتواضع الطالب لشيخه رفعة له وفخر وإن من صفات طالب العلم التي تجعل الناس يحبونه ويُقبلون على ما عنده من الهدى والنور ويتأثرون به صفة التواضع وذلك بخدمتهم وتعليمهم الآداب الإسلامية وإبعادهم عن الشر وأهله بمختلف الطرق الطيبة وذلك بأن يكون هيناً ليناً مألوفاً سهل المعاملة بشر الوجه صاحب ابتسامة وكلمة طيبة خافضاً جناحه للمؤمنين باذلاً نفسه وعلمه ووقته وماله لله في خدمة عباد الله, فيجب على طالب العلم ألا يتكبر على العلم ولا على المعلم لأن العلم وخاصة القران الكريم يضيع بين ( الكبر والخزي والكسل ) لأن الكبر دافع إلى الأنفة من الناس ومن أنِف منهم بَعُد عنهم ومن بَعُد عنهم انقطع به سبيل المعرفة, والخزي يمنعه من التساؤل والعلم خزائن ومفاتيحها السؤال, والكسل يدعو إلى تأجيل الاستذكار ويكسر ملكة الفهم ويحل عزيمة الطالب.

 

3- الإنفاق على تعلم القرآن:
ينبغي على طالب العلم ألا يبخل بالإنفاق على تعلم القرآن وليعلم أن ما ينفقه من ماله ما هو إلا قرض حسن يقدمه لله، وليعلم أن تعلم القرآن عبادة محضة والمال الذي ينفق في العبادات بمنزلة الزكاة والحج والصدقات وقد ضرب سلفنا الصالح المثل الأعلى في بذل المال والتضحية به في سبيل طلب العلم, وتعلم القرآن هو منتهى العلوم وملتقى المقاصد والحكم وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة ).
ولما ختم حماد بن أبي حنيفة سورة الفاتحة أعطى أبوه للمعلم خمسمائة درهم فقال المعلم: ما صنعت حتى يرسل إليّ هذا؟ فأحضره أبوه واعتذر إليه وقال: تستحقر ما علمت ولدي والله لو كان معنا أكثر من ذلك لدفعناه إليك تعظيماً للقرآن. وفي هذا اجتمعت عفة المعلم مع سخاء أبي حنيفة.

 

4- اهتمام طالب العلم بمظهره:
ينبغي على طالب العلم أن يتصف بالنظافة الظاهرة والباطنة وأن يهتم بحسن الثياب و يحرص على التطيب والسواك متبعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يتزين بأجمل الثياب عند سعيه إلى الخير وطلب العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من عُرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة )، وكان الإمام مالك رحمه الله إذا جاءه الناس لطلب الحديث اغتسل وتطيب ولبس ثياباً جدداً إكراماً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كان علماء السلف وطلابهم.

 

5- التزام الأدب التام مع شيخه وقدوته:
فعلى طالب العلم أن ينقاد لشيخه في أموره, ولا يخرج عن رأيه وتدبيره, وأن ينظر إليه بعين الإجلال, فإن ذلك أقرب إلى نفعه به, وينبغي ألا يخاطبه بتاء الخطاب وكافه, ولا يناديه من بُعد, وعليه أن يعرف حقه ولا ينسى فضله، وأن يعظم حرمته ويرد غيبته، وأن يصبر على جفائه، وأن يترفق به, وأن يحذر أشد الحذر أن يماري أستاذه, فإن المراء شرٌّ كله, وهو مع شيخه وقدوته أقبح وأبعد من الخير وأوغل في الشر, وهو سبب للحرمان من كثير من الخير.
فعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: ( لا تماري من هو أعلم منك , فإذا فعلت خزن عنك علمه , ولم تضره شيئاً ).
وإذا انتهى الطالب إلى حلقة الشيخ جلس حيث انتهى به المجلس بعد سلامه على شيخه وعلى الجالسين.

 

6- ترك كثرة الاختلاط ما أمكن واختيار الصاحب والرفيق:
ينبغي للطالب ألا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه، وإن تعرّض لصحبته من يضيع عمره معه ولا يفيده ولا يستفيد منه ولا يعينه على من هو بصدده فليتلطف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكنها فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها.
وآفة العُشرة ضياع العمر بغير فائدة, وذهاب المال والعرض إن كانت لغير أهل, وذهاب الدين إن كانت لغير أهله, فإن احتاج إلى من يصحبه فليكن صاحباً صالحاً ديناً تقياً ورعاً ذكياً, كثير الخير قليل الشر, حسن المداراة قليل المماراة, إن نسي ذكره, وإن ذكر أعانه, وإن احتاج واساه, وإن ضجر صبّره.
قال ابن قدامة رحمه الله: ( واعلم أنه لا يصلح للصحبة كل أحد , ولابد أن يتميز المصحوب بصفات وخصال يرغب بسببها بصحبته ).
وينبغي فيمن تؤثر صحبته خمس خصال:
أ- أن يكون عاقلا, لأن العقل هو رأس المال.
ب- أن يكون حسن الخلق لا يطيع هواه.
ج- أن يكون غير فاسق، لأن الفاسق لا يخاف الله تعالى, ولا تؤمن غائلته ولا يوثق به.
د- ألا يكون مبتدعاً, لأن المبتدع يخاف من صحبته بسراية بدعته.
هـ - ألا يكون حريصاً على الدنيا فيفتتن بها.

 

7- حسن المعاملة مع زملائه ومع الناس.
على طالب العلم أن يتحلى بالأدب وحسن المعاملة في حلقته مع أضرابه, وأن يتحلى بالصدق ويتنزه عن الكذب, ويحترم الكبار, إن جلس فبأدب, وإذا تكلم فبعد استئذان, وإذا دخل أو انصرف سلّم.
وبقي بعد ذلك وهو الأهم احترامه للقرآن، وليكن القرآن هو المؤثر في شخصيته وتصرفاته، وليكن قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان قرآناً يمشي على الأرض، وكان خلقه القرآن صلى الله عليه وسلم.

 

8- التدرج في التعليم:
ينبغي على طالب القرآن أن يتدرج في تعلمه وحفظه، وأن يحفظ المطلوب منه دون عجالة، وذلك بالتكرار والتسميع لنفسه عن ظهر قلب قبل التسميع لمعلمه، وذلك ليعود نفسه على النظام وعدم الاستعجال في أي أمر يخصه، قال الله تعالى: { لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرءانه * ثم إن علينا بيانه }.
وليعلم الطالب أن القرآن الكريم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ولكن نزل مفرقاً قال الله تعالى: { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً }.

 

المصدر : صيد الفوائد. بتصرف

الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض


المفكرة الدعوية

www.dawahmemo.com